رغيفُ أمي في الفجر
- رغيفُ أمي في الفجر
- وبعضاً من تمرٍ ممزوجْ
- بعرَقِ حزيرانَ المتساقطِ من بينَ أجفانِها
- تضع قليلاً من زيتٍ فوقَهُ
- وبصيصٌ من سكّر
- تقدّمُه لي بخجلٍ
- وكإنّها أذنَبت بفُقرِنا
- كم أتوقُ الساعةَ لتقبيلِ يدِها المرتعشةَ تِلكْ
- كم أتمنّى أن أبكي على صدرِها
- كي أُنسيها ذاكَ الموت اليومي.. ذاك الوجعَ المتكرر
- فخبزُها منَحَنا عنفواناً وأصبحنا أكبرَ من أن تُضَم رؤوسَنا بين ذراعيها
- وما زالتْ تشعرُ بالذنب ...
- أيّتها الساهرة حتى في إغفائتها كم رأيتُ عينَيك مفتوحةً وأنتِ تنامين
- مرهقةً بعد عناءِ يومِكِ لم أكن أدرك أن الأم لا تنام إلّا بعد أن فارقتُ الوطن
- عرفتُ إن من يعشقُ لاينام.. ومن يضعُ روحَهُ بصحنِ الزادِ لغيره يحمرّ
- خجلاً من عَوزِه
- الله يا أيّها الزمن الجميل كم كنا جائرين بسؤالِنا عمّا ياكلُ المُترَفين
- ،
- لم ندرك حجمَ الشّهَقاتِ المتكسّرةِ بصدرِك أيتها النبيلة
- أمّي.. ما زلتُ أذكر فرحَك يوم المعاشِ الزهيدِ الذي يجلُبه أبي وكيف
- يتغيّر في وجهك كل الحزن..
- أعيشُ ذاكَ اليومَ حتى الساعةَ..
- ربّما هو اليوم الوحيد الذي كان يذكّرُكِ بزَفافِك حينَها
- لا أُمنيةً لكِ سوى أن تحمل يديكِ طبقاُ غريباً
- عن أمعائِنا التي أدمنتْ زادَ الفقراء
- وأبي..
- أيّها الذي لا املكُ حروفا تكفي كبريائِك أيها الأنيق الجميل
- من بين كلّ أوجاعها ، أنتَ كنتَ وجعُ غيرتِها الفطرية
- وكأن ذنبُك أن الله
- أعطاك هذا الطولَ الممشوقَ
- والعيونِ والحضورِ والنبلْ
- أيّها الفارسُ الحقيقي .. لا أعرفُ هل أقبّلُ ترابَك الآن أم أُعاتِبك لماذا
- زرعتَ فينا كل هذا النبل الذي جعلنا لا نُواكبُ زمن الرياء
- لماذا علّمتَنا أن نترفّع عن الصغائر
- ونعيشَ الكبرياء
- حتى دفعنا ثمن الكرامةِ نزيفاً
- وغادرْنا الوطنَ الحبيبَ بلا وداع